
طفل يقف في أحد ملاجئ الأونروا، وتُظهِر الصورة آثار الدمار الذي خلّفته الحرب على غزة.
قد لا يخفى عن الكثيرين أن غزة كانت تتعرض للإبادة قبل بدء عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 بسنوات طويلة، إلا أن الموت آنذاك كان بطيئاً، مما جعل الإبادة تمر خفية تحت الرادار. بالنسبة لمن يتابع القضية الفلسطينية طوفان الأقصى لم يكن تصعيداً أو إنتهاكاً كما يرى البعض، بل كان أشبه بقنبلة موقوتة جاء كنتيجة طبيعية لغضب تراكم خلال سنوات طويلة من الظلم والحصار.
“لن نقبل أن نكون ضحايا جيدين، ولن نقبل أن نموت بصمت.”
-يحيى السنوار رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)
يدرك كثيرون كيف أن غزة غدت سجناً واسعاً في الهواء الطلق، بل ولربما من أكبر سجون العالم. فعلياً فُرض الحصار على غزة في يونيو/حزيران 2007، عقب سيطرة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على القطاع، مما دفع إسرائيل ومصر إلى فرض حصار مشدد شمل قيوداً صارمة على حركة الأفراد والبضائع. كما أحكم الاحتلال قبضتهُ على الأجواء والمعابر البرية والبحرية.
كل هذه القيود كانت سبباً في إضعاف النسيج الاجتماعي وانعدام الاستقرار. وهما عاملان أدّيا إلى مشاكل كبيرة، مثل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، إضافةً إلى الصدمات النفسية المستمرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني يومياً. والجدير بالذكر أن حوالي 68% من الأُسر في غزة كانت تعاني من مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي حتى قبل أحداث السابع من اكتوبر، التي أدّت إلى تفاقم هذه الأزمة بشكل أوسع. وتُشير بيانات موقع برنامج الأغذية العالمي (WFP) إلى خطورة هذه الأزمة التي تحيط بأكثر من مليوني فلسطيني في حالة انعدام أمن غذائي شديد أو أسوأ.
مستوطنون يجبرون 70 عائلة فلسطينية على الرحيل قسرا من أراضيها قرب أريحا بالضفة الغربية #حرب_غزة pic.twitter.com/TFplBHmbyk
— قناة الجزيرة (@AJArabic) July 5, 2025
في ظل الحصار المستمر، تواصل إسرائيل بناء مستوطنات في غلاف غزة، حيث ارتفع عدد المستوطنين من نحو 42 ألف في عام 2009 إلى نحو 55 ألف في عام 2019، بزيادة تقدر بنحو 30.6% خلال عشر سنوات فقط. ويُذكر أن جماعات أيديولوجية، مثل “حركة الناحالة” (הנחלה) أصبحت تدعو إلى إنشاء المزيد من المستوطنات داخل قطاع غزة عقب أحداث السابع من أكتوبر. كما عقد أعضاء في الكنيست اجتماعات في يناير 2024 مع ممثلين عن جماعات داعمة لفكرة إعادة الاستيطان داخل غزة، بهدف تعزيز السيطرة الإسرائيلية وعزل القطاع عن الضفة الغربية ومحيطها.
#عاجل | هآرتس عن ضباط وجنود: مقاولون يتلقون 5 آلاف شيكل لهدم كل منزل في غزة وكل دقيقة تمر بلا هدم يعتبرونها خسارة
— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 27, 2025
– المقاولون يهدمون منازل في أي مكان حتى خارج المنطقة المحددة للهدم pic.twitter.com/oBxSOankjB
ومن تجليات مشروع التوسع الاستيطاني هو تقديم الحكومة الإسرائيلية محفزات خاصة لمقاولين مقابل هدم منازل الناس في غزة. حيث كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية أن ضباطاً وجنوداً أكدوا لها أن الحكومة تمنح المقاولين مكافأة قدرها 5,000 شيكل (نحو 1,490 دولار أمريكي) عن كل منزل يتم هدمه في قطاع غزة.
فلسطيني يشاهد منزله يُهدم أمام عينيه من قبل جرافات الاحتلال في مخيم طولكرم #فيديو pic.twitter.com/eMBjTN5CWe
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) July 7, 2025
كما نرى، فإن المشروع الصهيوني الاستيطاني مستمر على قدم وساق، فهل يمكن لوم من يختار المقاومة بعد أن حُرم من كل مقومات الحياة الكريمة، ومن تتعرض هويته تتعرض للإبادة ببطء، وأرضه تُسرق بصمت؟
في نهاية المطاف، قد يبدو الموت البطيء أقل ضجيجاً للعالم، لكنه في نظر أهل غزة أكثر قسوة وإيلاماً. فحين تُسدّ الأبواب، لا يبقى للإنسان سوى خيار المقاومة، حتى وإن وصفتها الأبواق بأنها «تصعيد» أو «إرهاب». ففي غزة أصبح مجرد البقاء على قيد الحياة شكلاً من أشكال المقاومة.
إذا أعجبك هذا المقال أو كان لديك أسئلة تخص موضوع المقال لا تتردد بإبداء رأيك في قسم المراجعات.